ماهو مجال استخبارات المصادر المفتوحة وأدواته؟

بدايةً، قد يبدو مصطلح “استخبارات المصادر المفتوحة” مقلقًا نوعًا ما، لكنه باختصار عبارة عن جمع البيانات المتاحة للعامة من المصادر المفتوحة (مواقع إلكترونية – حسابات مواقع تواصل – مدونات – روابط مفتوحة للعامة وغيرها)، وتحليلها للوصول لمعلومة أو الحصول على إجابة أو اتخاذ قرار.

متى ظهر؟

رغم أن مصطلح OSINT – أوسينت – حديث نسبيًا إلا أن المفهوم مرتبط بأدلة منشورة تشير إلى أن ممارسات استخبارات المصادر المفتوحة موثقة منذ منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة وأوائل القرن العشرين في المملكة المتحدة. 

تطورت ممارسات الأوسينت من تقنيات استطلاع عسكرية مبكرة إلى ممارسة متطورة شملت التطبيقات الحكومية والتجارية والمدنية. وبينما يرتبط استخبارات المصادر المفتوحة الحديثة غالبًا بالمصادر الرقمية والأمن السيبراني، إلا أن أصولها تمتد إلى ما قبل عصر الإنترنت، حيث بدأت في العمليات العسكرية والاستخباراتية التقليدية. 

ظهر هذا المجال رسميًا خلال الحرب العالمية الثانية مع إنشاء قوات الحلفاء لخدمات مراقبة مخصصة، إلا أن منهجياته تتجذر في ممارسات تعود إلى القرن التاسع عشر. 

ومن خلال تطورات تاريخية رئيسية، بما في ذلك ابتكارات زمن الحرب، وتطبيقات الحرب الباردة، ومأسسة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تحولت استخبارات المصادر المفتوحة من تخصص استخباراتي مساعد إلى عنصر أساسي في استراتيجيات جمع المعلومات الشاملة في مختلف القطاعات.

لقد تصاعد الأثر الذي تركته قوة الأوسينت مع تدفق المعلومات الغزير على الإنترنت وخصوصًا عبر مواقع التواصل منذ أواخر العقد الأول من الألفية، ويتجدد ظهور استخدامات إبداعية فيه خلال الأحداث التي تهم الرأي العام بشكل واسع.

لقد برز دور الأوسينت بشكل واضح في 2014 خلال الحرب الروسية الأوكرانية عبر تتبع تحركات المعدات العسكرية الروسية وتقييم تطورات ساحة المعركة من خلال  لقطات التقطها مواطنون وبيانات من مواقع إلكترونية تراقب تحركات الطائرات والقطارات. 

وفرت هذه التقنيات رؤى في ظل منع تداول المعلومات وجمعها في الوسائل التقليدية، وأدى تطورها إلى دخول منظمات غير حكومية لإجراء ممارسات أعمق من تتبع الحركة فوق الأرض وتحت السماء لإجراء تحقيقات عميقة مفتوحة المصدر.

ما هي المجالات؟

دخل الصحفيون والباحثون على خط توظيف تقنيات الأوسينت في تحقيقاتهم وعمليات التحقق من المعلومات المتداولة في الفضاء الإلكتروني مع ظهور الإنترنت ثم وسائل التواصل الاجتماعي ما أدى إلى توسّع نطاق استخبارات المصادر المفتوحة بشكل غير مسبوق من حيث حجم المعلومات وسرعة الحصول عليها وتنوع الجهات التي تستفيد منها، مما جعلها أحد أهم مجالات العمل الاستخباراتي في العصر الحديث.

تضم استخدامات هذا المجال في الصحافة على سبيل المثال” تحليل تفاعلات حسابات مواقع التواصل، وتتبع منشوراتها وتحليل آراء أصحابها، وتتبع بيانات الملاحة الجوية والبحرية مفتوحة المصدر، وتحليل الصور والفيديوهات المنشورة للعامة على المنصات مثل فيسبوك وإكس وإنستجرام وتيك توك وتليجرام وحتى سناب شات.

في رأيي يعتمد نجاح العاملين في هذا المجال على عنصريين أساسيين وهما، أولاً: إيجاد الحلول في فك ألغاز المعلومات وارتباطها ببعضها البعض للوصول إلى معلومة غائبة، وثانيًا: الخبرة في مواكبة استخدام أحدث الأدوات التي تعمل على تحليل المحتوى الموجود على الإنترنت بكافة أشكاله، حتى المحذوف بعد نشره، حتى على محرك البحث جوجل نفسه.

لطبيعة التطور التقني المستمر ودخول الذكاء الاصطناعي التوليدي عاملاً مهمًا في المعادلة، أصبحت مجالات الأوسينت وتقنياتها متفرعةً بشكل كبير، على سبيل المثال هذه الأدوات الأساسية يستخدمها الصحفيون وغيرهم:

  • Maltego (لتحليل الروابط والاتصالات).
  • Flightradar24 (لتتبع بيانات الحركة الملاحية الجوية)
  • Marinetraffic (لتتبع بيانات الحركة الملاحية البحرية)
  • Shodan (للبحث في الأجهزة المتصلة بالإنترنت).
  • Google Dorking (لاستخراج بيانات غير مؤمنة).
  • GeoGuessr وGoogle Earth (لتحديد المواقع الجغرافية).

هناك أدوات كثيرة جدًا تستخدم في مجالات تحقيقات الأوسينت، ومنها ما هو يعمل بالذكاء الاصطناعي في تحليل عمليات تحتاج إلى تدخل بشري كثيرة، مثل أداة تحديد الموقع الجغرافي (GeoSpy).

تعرف على المزيد عنها في منشوري هنا

سأحاول نشر أشهر الأدوات التي تهم العاملين في هذا المجال على مدونتي هنا لتعم الفائدة الجميع، على أمل أن يستفيد منها العامة في الخير، بعضها مجاني وبعضها الآخر يتطلب اشتراكات.

من أين تبدأ؟

إذا كنت تود دخول هذا المجال فالبداية تكمن في التعلم والتجربة، وليس عليك في المرحلة الأولى سوى أن تطور نظرتك للمعلومات التي تقرأها على شاشة الهاتف أو الحاسب، وتفهم المجالات المطلوب أن توسع مداركك فيها.

 فهم المبادئ الأساسية للأوسينت

قبل استخدام الأدوات المتقدمة، من المهم فهم المبادئ الأساسية لهذا المجال، مثل: فهم طبيعة استخبارات المصادر المفتوحة والفرق بينها وبين أنواع الاستخبارات الأخرى.

بعد ذلك سيتوجب عليك معرفة أخلاقيات البحث والتحليل، للالتزام بالقوانين والضوابط الأخلاقية عند جمع وتحليل المعلومات، ثم تعلم كيفية البحث العميق واستخدام المنطق التحليلي لاستخلاص البيانات المفيدة من مصادر مفتوحة.

تعلم تقنيات البحث المتقدم

تعد من أهم التقنيات الأساسية في البداية ويمكنك تطويرها من خلال:

  • البحث باستخدام Google Dorking: استخدام أوامر متقدمة في محرك بحث جوجل لاستخراج معلومات مخفية أو غير مؤمنة بشكل جيد.
  • استخدام مشغّلات البحث المتقدم: تعلم كيفية تصفية النتائج على جوجل ومواقع أخرى للحصول على معلومات دقيقة.
  • التحقق من المعلومات: تعلم كيفية فحص مصداقية المصادر، ومقارنة البيانات من عدة مصادر مختلفة.

 التعرف على أدوات الأوسينت الأساسية

هناك العديد من الأدوات المتاحة للمساعدة في جمع المعلومات وتحليلها لكن الأهم هو مواكبة طريقة عملها في هذا المجال.

على سبيل المثال، قمت بتجربة الخاصية التي أعلن عنها أداة الذكاء الاصطناعي  Grok التابع لمنصة X وهي خاصية Deeper Search، عندما أردت التحقق من صحة ارتباط حادثة في باكستان بمقطع فيديو وضعت رابطه من فيسبوك (المنصة التي تفرض قيودًا كثيرة على تحليل بيانات منشوراتها) وكان الوصف التعريفي المرافق للمقطع مكتوب بلغة غير العربية والإنجليزية وهو ما يبدو صعبًا على الذكاء الاصطناعي.

كانت النتيجة مذهلة، والأكثر أهمية هو شرح منهجية التحقق أثناء وبعد إجراء عملية التحقق التي قام بها Grok عبر الخاصية الجديدة.

ورغم أنها استغرقت بضع دقائق إلا أن النتائج كانت شاملة واحتوت على الإجابة التي وضحت أن المقطع لحادثة قديمة في 2022 وأرفقت معه المصادر وخلفية عن الحادث الذي وددت السؤال عنه.

التدرب على التحقيقات العملية

أفضل طريقة لاكتساب الخبرة في الأوسينت هي الممارسة العملية. يمكنك التدرب على بعض التحديات الواقعية، مثل:

  • تحليل الصور والفيديوهات: تسمى هذه المهارة بالإنجليزية (Geolocation). جرب العثور على موقع جغرافي لصورة ما باستخدام المعالم البارزة في الخلفية.
  • تتبع الأخبار المزيفة: استخدم تقنيات البحث العكسي للتحقق من صحة الصور والمعلومات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي. وابدأ بأداة أساسية وهي محرك بحث الصور من جوجل  Google image search وأيضًا محرك بحث ياندكس Yandex.
  • تحليل الحسابات على السوشيال ميديا: تابع حسابات مجهولة وحاول فهم نمط نشاطها ومصدر معلوماتها.

الاستمرارية في متابعة مصادر التعلم 

يمكنك تعلم الأوسينت من خلال مصادر متعددة، مثل:

  • دورات تدريبية مجانية ومدفوعة على منصات مثل Udemy وCoursera.
  • متابعة حسابات ومجموعات متخصصة في الأوسينت على تويتر، تليجرام، وريديت.
  • قراءة مدونات وتقارير منظمات مثل  Bellingcat – أشهر المواقع المتخصصة في المجال – وOSINTCurious.
  • المشاركة في تحديات Capture The Flag (CTF) لاختبار مهارات التحقيق الرقمي.

Comments are closed.